قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوةِ فاعِلُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ.
من الواضح أن الفقرة (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) تحتاج الى تمعن وتدبّر بالمفهوم العقلاني لكي نعرف ماهية المشكلة والحل المطروح لها وهل هناك ما يحتاج الى النبش التاريخي لمعرفة الواقع الذي عاشته هذه الأعراف والتقاليد؟
طبعًا نحن نفرق بين المسيرة الدينية والمسيرة التاريخية لذلك قد لا يدرك القارئ موضوع البحث ونتائجه حين لا يدرك منهج الباحث له فلا يستفيد من البحث ولا ينفعنا بشيء حين يدخل في حوارات حول المواضيع فينتقل من الحوار الموضوعي الى الجدل العقيم.
الواقع الذي نزل فيه القرآن هو الحال الذي انتجه التاريخ قبل نزول القرآن أي المسيرة التاريخية هي التي قررت ما هي التقاليد والاعراف والاعتقادات والثقافة في زمن التنزيل وعلى هذا صارت هناك مسيرة دينية ومسيرة تاريخية في نفس الوقت. ما حصل لهم في زمن النزول هو من المسيرة التاريخية وكل ما ترتب عليه في القرآن ودوّنه هو من المسيرة الدينية.
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ. تم تدوين الحيثيات التي ترتب عليه الدين وفق نتائج المسيرة التاريخية فاختلط الأمر على الأجيال اللاحقة لاغراض ايديولوجية ثقافية أو المصالح فصارت تلك الأخبار دينًا يوازي دين الله فحصل الابتلاء: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصَّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ.
ملك اليمين هو نتاج ثقافي وبديل مؤقت للملكية المطلقة أي ملكية قائمة على أساس أن المالك والمملوك في نفس الإيمان الديني (ما ملكت أيمانكم) بدل الملكية القائمة على أساس أن المملوك بضاعة المالك وله الحق المطلق فيها كما هو الحال قبل مجيء الإسلام.
يجب الأخذ بالأعتبار إن عدد الإناث حين نزل القرآن كان بالضرورة أكبر بأضعاف من عدد الذكور لأسباب تتعلق بقانون الإقصاء والإصطفاء أي ان المجتمع كان يمارس قانون القبلية فحين تغزو قبيلةٌ قبيلةً آخرى فسوف يُقتل الكثير من الرجال وتُسبى النساء والأطفال وبذلك تصبح الأناث جائزة من ضمن الأغنام يتقاتل عليها الرجل. هذا هو الواقع الذي جاءت به المسيرة التاريخية والقرآن علاج ذلك على اساس المسيرة الدينية.
السماح للرجل بممارسة الجنس مع ملك اليمين مع عدم وجود حق الاعتراض لزوجة الرجل وعدم وجود ميثاق الزوجية هو لأغراء الرجل في تحمل الأعباء المالية إتجاه المرأة وأطفالها وبذلك يتخلص المجتمع من عبودية انسان لآخر لعدم وجود مصدر العبودية في داخل المجتمع بعد جيل أو جيلين من المسيرة التاريخية فليس من حق أي شخص أن يدعي ان اطفال ملك اليمين من هذا الرجل هم أيضًا ملك يمين بل هم ابناء الرجل ومسؤوليته.
القصة لم تنتهي كما هو متوقع لأنهم انقلبوا على اعقابهم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا وهذا متوقع من مجتمع ليس من السهل عليه ان يتخلى عن أعرافه وعادته وثقافته من أجل دين بل تضاعفت الحالة على ملكية الناس فاخترعوا الفتوحات لبلاد غير المسلمين في البحث عن مصدر بديل والتي اغرقتهم بالنساء والعبيد التي اعتبروها حقًا لهم من الله.
ملك اليمين هي المسألة التي تجعل البعض يدفنون رؤسهم في الرمال لأنهم في عالم من المغالطات الفكرية ومن النادر أن تجد محاولة جادة في بحث موضوعي في الإشكاليات الجوهرية لأنهم لا يعلمون ان هذه المشاكل من المسيرة التاريخية وقد عانت منها كل الأمم والشعوب: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَ لَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ. جيل اليوم غير مسؤول عن الأجيال الماضية لغرض التطور الفكري المعرفي التراكمي وليس مسؤولًا لطرح المبررات الفارغة لدفاع عن ناس عاشوا في الماضي لكن انكارها يُعتبر خيانة للدين والإنسانية.
الدعوة الى الله اليوم هي اصلاح ما افسده الكاهن وليس دفن الرؤوس في الرمال.
